الوابي-سابي (Wabi-Sabi) هي فلسفة جماليَّة يابانية تدعو لتقبُّل الأمور كما هي، وتحرِّي الجمال فيها. تعود هذه الفلسفة بجذورها للفكر البوذي، وتستوحي تعاليم «سمات الوجود الثلاث»، وهي: المؤقتيَّة، والمُعاناة، والخواء. تعني المؤقتيَّة أن كلَّ ما في الحياة مؤقت، ولا شيء متصفٌ بالديمومة. والمعاناة أن الألم صفة لازمةٌ للحياة، وأنه يحيط بالإنسان، ويأتيه بصورة المرض والهَرَم والموت. والخواء أن لا شيء يتصف بذاتٍ دائمة، وإنما كلُّ شيء في حالة تغيُّر مُستمرة. وفي المُجْمل، الوابي-سابي هي: تقبُّل دورة الحياة الطبيعيَّة، من نماء واضمحلال وموت.
المفهوم مُكوَّنٌ من كلمتين: وابي وتعني الشيء المُتواضع عن قصد والمتناغم مع الطبيعة؛ أما سابي فتعني عملية التقادُم بمرور الزمن، ويكمن فيها مفهوم التقدُّم في العمر، بالتالي أن يُصْبِح الشيء أقل جمالًا بالمفهوم التقليدي، لكن الأشياء التي تُوصف بأنها سابي متقادمة تَقَادُمًا فيه مسحة من وقار وأناقة.
على العكس من الجماليات السائدة في العالم، وفي الغرب منذ عصر النهضة خصوصًا، لا تُعْنى الجماليَّات اليابانية – ممثلةً بالوابي-سابي – بالجمال القائم على الاتساق التام والتناظر وانعدام العيوب، وإنما التسليم بهذه العيوب وتقبُّلها، وإيجاد الجمال الماثل فيها. تجد هذا في معاملة القطع القديمة؛ فعندما تتعرض إحداها للكسر، لا تُلقى، بل تُرمم ترميمًا يُظهر أنها قد أُصلحت بعد أن لحق بها تلف.
عدم تقبُّل الأمور على ما هي عليه هو ما يجعل الناس يلجؤون لعمليات التجميل، لإخفاء معالم التقدُّم بالسن، أو لتغيير صفات خَلْقية لا تنسجم مع معايير الجمال السائدة. ولو أنهم اتبعوا هذه الفلسفة، لوجدوا جمالًا في هذه المعالم؛ إذ تقف شاهد على التجارب والخبرات التي خاضوها ووسمتهم بميسمها، وعلى الصفات التي يمتازونَ بها عن غيرهم.
يمكن تطبيق هذه الفلسفة في مجالات حياتية عديدة. في تصميم الديكور، على سبيل المثال، توصي هذه الفلسفة بالتالي:
١-قُبُول القِدَام: لا تتخلص من قطعة في منزلك لمجرَّد أنها قديمة، وأنها لا تواكب آخر الصيحات؛ تقبَّل تقادمها، واستشعر الجمال في هذا.
٢-مواد طبيعيَّة: أحرص على أن تكون قطع المنزل مصنوعة من مواد طبيعيَّة وعضويَّة كالخشب، أو من مواد طبيعيَّة كالحديد والخزف والزجاج والرخام. وعمومًا: تجنَّب البلاستيك، واستكثر من الخشب.
٣-ألوان طبيعيَّة: استخدم ألوانًا توجد في بيئتك الطبيعية، وتجنَّب الألوان الصناعية؛ زُرْقة البحر، وصُفْرة الشمس، وبياض الثلج، وخُضْرَة المروج.
٤-العفويَّة: لا تتمحل لجعل كل شيء يبدو غايةً في الانتظام. دع مساحة للعفوية، واجعل الأشياء تظهر كما يعنُّ لها.
هكذا يُمكن أن تُقدِّم فلسفة الوابي-سابي حلًا لأولئك المهووسين بالكمال، الساعين لإخفاء كل علامات التقدم في السن، أو العيوب الشكلية (بحسب النظرة السائدة). «الكمال غايةٌ لا تُدْرَك»، فدع السعي إليه.. واستمتع بالحياة.